كيف نحلم باليابان!…اليابانيون.. كيف ولماذا؟ (الجزءالحادي عشر) القيادة على الطريقة اليابانية!

 بالحديث عن “القيادة”، يتوق الجميع. لكن في الواقع ، القيادة الحقيقية هي مسألة أخرى. يقول التعريف العام للقيادة: “إنها القدرة على أخذ زمام المبادرة في حل المشكلات وتحقيق الأهداف مع تقديم الرؤى والأهداف للجميع”. ومع ذلك ، سيختلف هذا أيضًا حسب الأشخاص والظروف والأوقات.ومع تنوع طرق العمل والمعيشة ، قد يكون من الصعب تحديد معنى القادة والقيادة.لأن صورة القائد التي تتطلبها الأوقات ستختلف وتتنوع بصرف النظر عن طبيعة الأزمة، سواء أن كانت طبيعية أو من صنع الأنسان ، غالبًا ما يُتهم القادة اليابانيون بالقصور في القدرة على إدارة الازمات ، حيث يقال دائما أن اليابان هى بلد تفتقر للقائد الذي يمتلك القيادة القوية على إدارة الأزمات . لكن هل هذابالفعل صحيح؟…لا نستطيع نفي الأمر تماما، ولكن أيضا هو أمر قريب من الواقع وفي نفس الوقت بعيد عن مضمون الحقيقة. بصرف النظر عن طبيعة الأزمة، سواء أن كانت طبيعية أو من صنع الأنسان ، غالبًا ما يُتهم القادة اليابانيون بالقصور في القدرة على إدارة الازمات ، حيث يقال دائما أن اليابان هى بلد تفتقر للقائد الذي يمتلك القيادة القوية على إدارة الأزمات . لكن هل هذابالفعل صحيح؟…لا نستطيع نفي الأمر تماما، ولكن أيضا هو أمر قريب من الواقع وفي نفس الوقت بعيد عن مضمون الحقيقة.

وفي ظل السياسات المتبعة ببلدان العالم المختلفة من أجل الحد من تفشي وباء فيروس الكورونا، نجد قادة الدول المختلفة تخاطب شعوبها من أجل حثها على التعاون والتكاتف للعمل معاً بصدد خطر إنتشار الفيروس التاجي الجديد. وهنا نجد نماذج مختلفة من أساليب الخطاب المتبعة من قبل القادة تجاه شعوبها ، فمنها المباشر والصادم مثل النموذج الانجليزي والالماني الذي تجد فيه رئيس الوزراء يخاطب شعبه بصراحة صادمة واضعا بين أياديه كافة المعلومات والحقائق ، وهنالك أيضاً نوع آخر من أساليب الخطاب المتبعة من القادة مثل النموذج السنغافوري والتيواني اللذان يركزان على تعزيز تضامن الناس وتحفيزهم على مواجهة الأزمة معاً.

على الجانب الأخر،نجد النموذج الياباني المعروف بنمطه المعتاد الذي يعتمد في إدارته للامور على أسس التعاون والتوافق والدقة والحد من المخاطرة، بدلاً من التركيز على معاير السرعة وفاعلية الانجاز ،مما يجعل ذلك قراراته وتصرفاته تتسم دائما “بالبطيء” و”عدم المرونة” و”المركزية بشكلها البيروقرطي”. لكننا مع ذلك لايمكننا إنكار أن هذا النوع من انماط التفكير وأساليب التعامل له تأثير فعال في تقليل الضرر المحتمل لعواقب الامور.

قد يبدو الأمر سيئًا ، لكن المؤسسات اليابانية ومنظومة العمل بها لاتفضل الأعتماد على نموذج القيادة الفردية. ولكن بدلاً من ذلك ، تجدها تعتمد على نموذج القيادة القائم على مبدأ قيادة المؤسسة بذاتها وليس بفردها. ويرجع هذا إلى ثقافة المجتمع الياباني القائم على فكر الجماعة كمنظومة عمل أساسية للمجتمع ، حيث تميل الشخصية اليابانية في نمطها الفكري إلى المزج بين المسؤولية العامة للمنظومة وبين المسؤولية الفردية للاشخاص. ونتيجة لذلك ،تجد الاعراف الاجتماعيىة اليابانية تشجع على القيادة بمفهوم”القيادة المؤسسية (الشركة أو المؤسسة) “القائمة على توافق أفرادها على مبدأ وفكر مشترك، وذلك بدلاً من الأعتماد على أسلوب القيادة الفردية ذات القائد المطلق ” ، مما جعل هذا النمط الفكري متجذراً بالمجتمع الياباني إلى يومنا هذا.

يؤكد عالم الادارة الأمريكي المعروف “بيتر فردناند دراكر”، الذي لا يزال يُعتبر بوصلة فكرية للعديد من المديرين التنفيذيين في العالم، بأن العناصر الثلاثة “العمل” و “المسؤولية” و “الثقة” هي جوهر القيادة، حيث يتحدث عن سمات القيادة وصفات القائد في كتابه كالتالي : ” القيادة توصف بأنها نوع من العمل الذي يجب القيام به بمسؤولية ،وهى ليست نتاج الطبيعة الفطرية أو المكانة أو الامتياز للشخص القيادي “.

وعلى هذا النحو ومن خلال الاخذ بدفة القيادة ،مع وضع هذا التعريف في الاعتبار ، تستطيع أن تكتسب ثقة العديد من الأشخاص وتصبح قائدًا جذابًا حتى لخصومك. على الجانب الأخر ، يمكننا من خلال قراءة التاريخ التعرف على مفهوم القائدالجذاب وفق الرؤية اليابانية. فالحقيقة القائمة هى أن التاريخ الياباني ذخر بالعديد من الشخصيات القيادية البارزة عبر تاريخه الطويل، فكانت شخصية القائد المنقذ للوطن ، وأعني بالوطن هنا اليابان، الذي يظهر في الكثير من الأعمال الروائية للاديب الياباني المعروف شيبا ريو تارو ؛ مثل شخصية ساكاموتو ريوما من رواية”ريوما جا يوكو” وشخصية الأخوة أكيياما من رواية” الغيوم على التل”، وغيرها من العديد للشخصيات القيادية المميزة في العديد من مجالات ريادة الأعمال والاقتصاد والسياسية المعروفة على مر التاريخ الياباني. وهنا نتوقف عند ثلاث عناصر مشتركة نجدها مجتمعة في شخصية القائد الياباني المميز التي مازال المجتمع يفتخر بها ويحترمها، وهي (المسؤولية) و(الثقة)و(القدرة على الوئام والانسجام مع الآخر).

فالثقافة اليابانية المتمثلة في العقلية اليابانية القادرة على التكييف مع الآخر ترتكز على سمة هامة، ألا وهي القدرة على الوئام والانسجام مع الآخر والبعد قدر الامكان عن إحداث التصادم بين أفراد المجتمع على إختلاف الروئ والتوجهات ، مع الحفاظ على خاصية العمل بشكل جيد كمجموعة مع الحفاظ على العلاقات الإنسانية الدافئة.ربما لهذا السبب ، يُجيد اليابانيون العبارات الغامضة ذات المضمون الخفي، فيتحدثون باسلوب يعتمد على الظاهر والباطن للسبب المعلن والنية الحقيقية.

من ناحية أخرى ، فإن إحدى خصائص منظومة العمل اليابانية هي أنها يمكن أن تعمل بشكل جيد بدون قادة أقوياء،وذلك بفضل قيادة وحكمة القائد الوسيط الذي ينسق المجال،حيث تعتمد آلية العمل بالمنظومة اليابانية على نوع من آليات الاتحاد أو التشابك الفكري بين القائد الأعلى وقائد طبقة المنظومة الوسطى ، ويتم من خلال هذا الاجماع والتوافق المتبادل على المبدأ أو الفكرة بين القيادة العليا والقيادة المتوسطة للمنظومة تحديد الاتجاه العام والأدوار الفردية لاعضاء المنظومة بأكملها.وحتى في أوقات الأزمات مثل التي نمر بها الآن حين يكون العالم مشتعلًا ، فيمكنك أن تشاهد العديد من المواقف التي تتجلى بها هذه الالية والقوانين الخاصة بها. فعلى سبيل المثال ،تابعنا كيف استجابت المحليات وغيرها من قادة المواقع الوسيطة لمعايير الفحص الطبي التي وضعتها وزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية كإجراءات للحد من إنتشار العدوى للفيروس التي جعلت إجراء الفحص المعملي للكشف عن العدوى قاصراً فقط على مايعرف بالاشخاص العائدين من الخارج(خارج اليابان) وأصحاب الاشتبهات مع المصابين.ولكن في نفس الوقت وجدنا ما قام به المسؤولين أو قادة الاجهزة المحلية من تحركات من أجل الاستجابة الاصوات المواطنيين والعاملين بالمواقع الميدنية في محاولة لتحقيق التوافق والانسجام بين قرار المسؤول أو القائد الاعلى وبين الاحتياجات الفعلية للميدان.

إنها عملية “صنع القرار” و”القيادة” على الطريقة اليابانية.وينطبق الشيء نفسه على قرار المدارس المغلقة في جميع أنحاء البلاد الذي تم بناء على نداء من قبل رئيس الوزراء آبي في المقام الأول ، فإن أسلوب النداء أو الطلب دون توجيه الأمر، هي طريقة غير تقليدية على غير الآليات المتعارف عليها ببلدان العالم الغربي مثل الولايات المتحدة وأوروبا ، والتي تستند إلى اتخاذ القرارات، لاسيما في حالات الازمات من أعلى قمة السلطة إلى أسفلها. لكن هنا في اليابان ، بناء على طلب من رئيس الوزراء ، يقوم القادة الأوسطون في كل منطقة وحكومة بلدية بتنفيذ وتنسيق اتجاه الحكومة ورئيس الوزراء بطريقتهم الخاصة. ونتيجة لذلك ، غالبًا ما يحدث التعادل والتوافق بين قرارات السلطة العليا وتحركات المواقع الميدانية ، فتجد في نهاية الأمر أسلوب جديد وفريد بجهود وأفكار مختلفة من قبل المعلمين والحكومات المحلية، فيتحقق بذلك إغلاق المدارس دون توقف العملية الدراسية.

وهنا يأتي السؤال …ما هي متطلبات القادة ليتمكنوا من إظهار القيادة ودورهم الفعال في إدارة الامور؟.. تعتمد الاختلافات في كيفية النظر إلى القادة من خلال تاريخ وثقافة البلد. لم يحب الاديب شيبا ريو تارو أن يسأل قائدًا واحدًا عن كل شيء.فعند مواجهة الازمات تجد أنماط مختلفة من القادة وأساليب إظهار القيادة ، فمنهم من هو قادرا على التخاطب وطرح الامور بشكل مباشر على الناس دون التحول عن مبادئه ،ومنهم من هو مثل المعلم القادر على تحفيذ الآخرين،ومنهم من هو بيروقراطي الشخصية القادر على إيصال الرؤية للآخرين ،وفي كافة الأحوال لايمكن الاستغناء عن شئ هام لتتحقق القدرة على القيادة الرشيدة،ألا وهو وحدة الافكار بين القائد وأعضاء المنظومة. ولكن الأهم من ذلك كله، هو أن يكون القائد قادراً على الشعوربالاخرين والتعاطف معهم ليكونوا قريبين من الطاعة له، وأن تكون القيادة نتاج إتحاد فكر القائدمع أفراد منظومته، فتصبح القيادة قيادة فكر وليس قيادة شخص.

Leave a Reply

メールアドレスが公開されることはありません。 * が付いている欄は必須項目です